العيد الأول بعد الغياب
العيد الأول بعد الغياب
________________
بينهم جالس، أُشكك في حقيقة وجودي حولهم؛ أكذب عينيّ مرة وأُصدقها بابتسامة خفية.
أحدّق في وجوههم كما لو أنني أراها لأول مرة، أشاركهم كل ضحكة يضحكونها، أُعوّض عن ثماني سنواتٍ دون مشاركتهم المزاح، أتعرف على ملامح أطفال العائلة الذين جاؤوا إلى الحياة أو الذين كبروا بعد رحيلي، أحاول أن أحفظ ملامح كل الوجوه، كما لو أنني أخشى أن يأخذني القدر بعيدًا عنهم مرة أخرى. أستعيد في ذاكرتي أول عيد عشته في المهجر؛ كنت حينها أعيش في منزلٍ للاجئين في مدينة نيوكاسل، وكتبتُ ذاك اليوم :
" غربة.. أحاول الإنشغال بأيّ شيء لأتحاشى التفكير بأن اليوم عيد، وأن بيتنا يتزين بضحكات أمي و أبي."
رائحة القهوة الشمالية التي كانت تملأ مجلس عمي، يدُ ابن عمي (حمد) التي تمسك باعتزاز الدلّة وتمتد لتقهويني، ضحكات الأعمام والأبناء والأحفاد، التبريكات المتبادلة بيننا وبين الجيران ومرتادي المجلس، لحظة البهجة التي تملأ وجوه الأطفال بعد حصولهم على العيدية، دفء مشاعر الفرح بين الأحباب… كلها تفاصيل سلبها المهجر.
حينما تغيب التفاصيل التي نحبها تتفاقم رغبتها في قلوبنا، ولهذا نشعر بنعمتها ونفرح بحق عند حصولها.
وقتذاك -بينهم- أدركتُ حقًا أن افتقاد تفاصيل العيد يشكّل أسمى حالات الغربة لدى الغريب، وكأنما العيد لا يكون عيدًا، إلا حينما يكون بين الأهل والأحباب.
تعليقات
إرسال تعليق