استعادة جزء من الذكريات

استعادة جزء من الذكريات


بعدما قل عدد الاشخاص الذين يأتون للسلام والتحمد بالسلامة، أصبح لدي متسع من الوقت لأتعرف على شوارع منطقتي السكنية من جديد، و لعلّي ألتقي بأناس غيبها المهجر عني.


أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، كان الجو يميل إلى البرودة،

مشيًا على الأقدام، بين البيوت المهترئة التي تشعر بأنها ستنهار في أيّ لحظة وأنت تمر بجوارها، ازداد الصفيح فيها حتى أصبحتُ أرى في البياض قسوة. لا مهرب من سطوة تكرار البياض الذي حوّل المنازل إلى ما يشبه مصانع الصفيح. شعرتُ فجأةً بلسعة برد جلبها حنيني إلى هذه البيوت، التي أحن إليها أكثر من المنازل القرميدية في بريطانيا. لففتُ ذراعيّ حول بطني و واصلتُ المشي.


أُغلقت بعض أبواب الدواوين، لكن ما زال العديد منها مفتوحًا، رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس.

الكرم هنا يصارع قيود الواقع، وأحيانًا المستحيل. وإذا أردتُ أن أصف الجيران أو معظم سكان المنطقة ببضعة كلمات:

الفقر أكثر ما يميّز الجميع لكن لدى الجميع كبرياء يطالبهم بعدم الكشف عن الفقر.


يُقال إن الحكمة من وراء المنازل الفيكتورية في بريطانيا هي أن ذلك الانتظام في الشوارع والمنازل المثلثة المصفوفة واحدًا وراء الآخر، يبعث على الخضوع والهدوء في نفوس سكانها. أما عشوائيات الصفيح فهي تبعث على مزيج من القلق والتوتر.


أرى وجوهًا مألوفة لكن متعبة بإبتسامات شاحبة ونظرات شاردة لم أعهدها.

أسير متباطئًا عن عمد كي أتيح لنفسي ثوانٍ أكثر عندما تتعرف ذاكرتي على وجهٍ غيرت ملامحه السنوات الثمان.

أفكر مطولًا حول كل هذا البؤس الذي يسود هنا، متسائلًا عن مصير الناس في الأيام القادمة. في السابق كان ينظر للمستقبل بشيءٍ من التفاؤل والتوجس معًا، الآن ساد استسلامُ أعمى لمشيئة القدر؛ تشعر أن الجميع متفق على الهروب من التفكير في مآلات المستقبل.



في طريق العودة إلى المنزل شعرتُ بالبُعد الذي حمله بسام حجار عندما قال :

"يا الله، كنتُ بعيدًا، 

وكم مشيتُ، 

وما أقتربت!"

وأخذتُ أُردد بيني وبين نفسي :

يا له من حملٍ ثقيل، أن تنجو بين أناسٍ شاركتهم غرقًا ما زالوا فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواطن لأول مرة في حياتي !

ذكريات جمعتها العكازات.

العودة