المشاركات

استعادة جزء من الذكريات

استعادة جزء من الذكريات بعدما قل عدد الاشخاص الذين يأتون للسلام والتحمد بالسلامة، أصبح لدي متسع من الوقت لأتعرف على شوارع منطقتي السكنية من جديد، و لعلّي ألتقي بأناس غيبها المهجر عني . أواخر نوفمبر / تشرين الثاني، كان الجو يميل إلى البرودة، مشيًا على الأقدام، بين البيوت المهترئة التي تشعر بأنها ستنهار في أيّ لحظة وأنت تمر بجوارها، ازداد الصفيح فيها حتى أصبحتُ أرى في البياض قسوة . لا مهرب من سطوة تكرار البياض الذي حوّل المنازل إلى ما يشبه مصانع الصفيح . شعرتُ فجأةً بلسعة برد جلبها حنيني إلى هذه البيوت، التي أحن إليها أكثر من المنازل القرميدية في بريطانيا . لففتُ ذراعيّ حول بطني و واصلتُ المشي . أُغلقت بعض أبواب الدواوين، لكن ما زال العديد منها مفتوحًا، رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس . الكرم هنا يصارع قيود الواقع، وأحيانًا المستحيل . وإذا أردتُ أن أصف الجيران أو معظم سكان المنطقة ببضعة كلمات : الفقر أكثر ما يميّز الجميع لكن لدى الجميع كبرياء يط...

العيد الأول بعد الغياب

العيد الأول بعد الغياب ________________ بينهم جالس، أُشكك في حقيقة وجودي حولهم؛ أكذب عينيّ مرة وأُصدقها بابتسامة خفية.  أحدّق في وجوههم كما لو أنني أراها لأول مرة، أشاركهم كل ضحكة   يضحكونها، أُعوّض عن ثماني سنواتٍ دون مشاركتهم المزاح، أتعرف على ملامح أطفال العائلة الذين جاؤوا إلى الحياة أو الذين كبروا بعد رحيلي،  أحاول أن أحفظ ملامح كل الوجوه، كما لو أنني أخشى أن يأخذني القدر بعيدًا عنهم مرة أخرى. أستعيد في ذاكرتي أول عيد عشته في المهجر؛ كنت حينها أعيش في منزلٍ للاجئين في مدينة نيوكاسل، وكتبتُ ذاك اليوم : " غربة.. أحاول الإنشغال بأيّ شيء لأتحاشى التفكير بأن اليوم عيد، وأن بيتنا يتزين بضحكات أمي و أبي." رائحة القهوة الشمالية التي كانت تملأ مجلس عمي، يدُ ابن عمي (حمد) التي تمسك باعتزاز الدلّة وتمتد لتقهويني، ضحكات الأعمام والأبناء والأحفاد، التبريكات المتبادلة بيننا وبين الجيران ومرتادي المجلس، لحظة البهجة التي تملأ وجوه الأطفال بعد حصولهم على العيدية، دفء مشاعر الفرح بين الأحباب… كلها تفاصيل سلبها المهجر. حينما تغيب التفاصيل التي نحبها تتفاقم رغبتها في قلوبنا، ولهذا نشعر ...

ميزة المهاجر

ميزة المهاجر ! ____________ المهاجر يملك ميزة تعددية الرؤية بين على الأقل ثقافتين مختلفتين مما يمنحه القدرة على فهم هويته التي تتصادم مع ثقافة بلد المهجر، ففي المهجر يستطيع المرء من بعيد أن يحمل المشهد بمجمله لأول مرة. في بريطانيا، في المهجر اكتشفت عمق عروبتي وأحببتها أكثر من ذي قبل. لا بسبب المقارنات والتأملات وحدها بل أيضًا بسبب الانغماس التلقائي مع عدد كبير من المهاجرين العرب  لديّ شعور دائم بالامتنان إلى بريطانيا، لما منحتني إياه من مواطنة، لغة جديدة وتجارب عديدة، لكنني مجرد مهاجر آخر يضاف إلى سلسلة المهاجرين الذين يأتون من كل بقاع العالم، هربًا من السجون، الفقر ومستقبل مقلق، بحثًا عن ملجأ ومستقبل آمن. لكنني أنتمي إلى هذه الأرض العربية، هذه الصحراء، وهي تنتمي إليّ. يقول جاسم الصحيح : أنا بدوي الروح ما زلتُ أنتمي  ‏إلى الريحِ حتى قامَ ما بيننا عهدُ ‏و لو كانت الصحراء ثوبا خلعتها و ألقيتُها عني و لكنها جلدُ

جزء من يوميات العودة

          لطالما كانت وحشة غياب الأهل والأصدقاء هي المعاناة الأبرز وأحيانًا الأوحد بالنسبة لي وربما لكل مهجّر ومغتربٍ، منذ عودتي أحاول تعويض ذلك بقضاء أطوّل وقت ممكن معهم مبتعدًا عن ملهيات الهاتف قدر الإمكان، أتعرف من جديد على من غيرته تصاريف الحياة، أتحسس بحذر مشاعر أولئك الذين فقدوا أحبائهم وأقربائهم وما مدى تأثير الفقد عليهم، أحس بطعم المر في فمي كلما عرفت ان الهوة اتسعت بيني وبين بعض الاصدقاء الأعزاء منهم، أتعرف على أولادهم وعلى من كبر ونضج من صغار العائلة، هم بدورهم يتعرفون عليّ، يسألونني عن تفاصيل عشتها بعيدًا عنهم، يختبرني بعضهم بحجم التغييرات التي أحدثها المهجر فيّ، أصارح أولئك الذين أعرف سعة تقبلهم وأخفيها عن الذين يزعجهم اتساع الفجوة بيننا.

العودة

                                                                 العودة  كلما   يقترب موعد العودة بعد سنوات المهجر كلما تزداد مخاوفي من أن أكون غريب مجددًا، ففكرة البدء من جديد لوحدها مرهقة حتى وإن كررتها مرات عدة في تنقلاتي بين المدن التي عشت فيها .   يتملكني شعور بالفرح ممزوج بالتوجس، أفرح عندما ينسج خيالي لقائي بمن أحب، وأخشى أن ينتابني القلق بعدما تنتهي لحظات اللقاء العاطفي عندما تأتي لحظة التساؤلات والتفكير في الاستقرار   أين ؟ وكيف ؟ عقلي يريد أن يستعيد كل ما هو إيجابي فقط، ويتكرر السؤال هل ما كان يسعدني ومحببًا لديّ ما زال ينتظرني أم انقضى زمنه !   ها   أنا ذا عائد .. في طريقي إلى مطار هيثرو الذي جئته أول مرة لاجئًا مهاجرًا يجهل كل ما حوله، حتى أصبحت أسير عبر ممراته واثقًا من ...

مواطن لأول مرة في حياتي !

 اليوم سأحصل على الجنسية البريطانية .. الجنسية الأولى في حياتي، الحصول عليها يعد انتصار ثمين بعد سلسلة طويلة من حياة الهزائم، جنسية  وطن كنت أجهل لغته تمامًا، كما كنت أجهل العالم أجمع ولا أعرف سوى عالمي الصغير الذي يتكرر كما هو بإستمرار، جنسية وطن جئته خالٍ سوى من فُتات الأمل والتطلع والصبر. منذ أسبوعان وصلتني عبر البريد الإلكتروني موافقة الحكومة البريطانية، الموافقة التي تأخرت كثيرًا نسبةً إلى الإجراءات المعتادة مع الجميع، وكما أكدت على ذلك( Karen Buck )نائبة حزب العمال في البرلمان بأنهم تأخروا ضعف المدة الطبيعية وأكثر، الآن عليهم إما أن يمنحوك الموافقة أو يجيبوننا. جاءت الموافقة بعد مراسلات النائبة. يبدو أن الواسطة وإن إختلفت أشكالها تنتصر على البيروقراطية حتى وإن كانت في بريطانيا. خلال مدة الانتظار كنت ما بين حالتين، تارة أتعجب من التأخير وتارة أتعجب من تعجبي وأنا الذي عاش كل حياته-قبل المهجر-في الظل حيث اللا وجود ،والانتظار لشيء ما أمر مستهجن كمن يؤمن بالمعاجز. في الصباح الباكر استيقظت وارتديتُ اللباس الذي يليق بإنسان سيصبح مواطن لأول مرة في حياته، واستعددت للذهاب إلى محطة...